Monday, 22 September 2014

السحر وحقيقته


السحر وحقيقته

1- قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}(1)

وجه الاستدلال: الآية تدل على أن للسحر حقيقة من وجوه الأول: أن الله سبحانه وتعالى قد أخبر فيها عن السحر وأنه مما يعلم ويتعلم وأن متعلمه يكفر بذلك وهذه الصفات لا تكون إلا لماله حقيقة، مما يدل على أن له حقيقة(2).


الثاني: أن الله تعالى قد أخبر في هذه الآية بأن للسحر آثاراً محسوسة كالتفريق بين المرء وزوجه والأثر دليل على وجود المؤثر وأن له حقيقة(3).


الثالث:كما أخبر الله تعالى في هذه الآية بأن للسحرضرراً لا يتحقق إلا بإذنه، والاستثناء دليل على حصول الآثار بسببه والضرر أو الأثر لا يكون إلا مماله حقيقة(4).


2- قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}(5)
__________
(1) آية 102 سورة البقرة.
(2) انظر شرح النووي على صحيح مسلم ج14 ص 174.
(3) انظر تفسير القرطبي ج2ص46، وشرح النووي على صحيح مسلم ج14 ص 174 أضواء البيان ج4 ص437
(4) تفسير الرازي ج3 ص213.
(5) سورة الفلق.

وجه الاستدلال: أن الله تعالى أمرنبيه صلى الله عليه وسلم في هذه السورة بالاستعاذة من شر النفاثات في العقد وهن السواحر كما فسرها جمهور المفسرين(1) مما يدل على أن للسحر حقيقة وأثرا(2) إضافة إلى ذلك أن هذه السورة وسورة الناس باتفاق جمهور المفسرين سبب نزولهما(3) سحر لبيد بن الأعصم اليهودي لرسول الله صلى الله عليه وسلم
ولو لم يكن له حقيقة وأثر لما أنزلت هاتان السورتان لإبطال أثره.


ثانياً: الأدلة من السنة وهي كثيرة منها ما يلي:

1- أخرج البخاري بسنده إلى عيسى بن يونس عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله حتى إذا كان ذات يوم، أو ذات ليلة - وهو عندي لكنه دعا ودعا، ثم قال "يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه. أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال أحدهما لصاحبه ما وجع الرجل؟ قالا: مطبوب(4)
__________
(1) انظر تفسير ابن كثير ج4 ص573 ومختصر تفسير الطبري ص707 والتفسير القيم ص563.
(2) انظر أضواء البيان ج4 ص437، ونيل الأوطار ص 363 والمغني ج8ص151 وشرح المهذب ج19ص240 وفتح المجيد ص222
(3) أسباب النوزل للنيسابوري ص347 وأسباب النزول للسيوطي ص550 والتفسير القيم ص567 وتفسير القرطبي ج2ص546 وقد يقول قائل كيف أن سورة الفلق مكية ويكون سبب نزولها ماوقع من سحر للنبي صلى الله عليه وسلم في المدينة ؟ ويجاب على ذلك بأن سورة الفلق ليست مكية وإنما هي من السور المختلف فيها والأرجح أنها مدنية كما في الصحاح، قال الألوسي بعد أن حكى الخلاف ورجح أنها مدنية قال:فلا يلتفت لمن قال بمكيتها وحتى لوسلمنا بأنها مكية فإنه لا يلزم منه أنها لا تكون علاجاً للسحر. انظر الناسخ والمنسوخ ص 144 وروح المعاني ج30ص 278والسحر بين الحقيقة والوهم ص69.
(4) المطبوب: المسحور.
قال:ومن طبه؟ قال لبيد بن الأعصم.قال في أي شيئ؟ قال في مشط ومشاطة(1) وجف طلع(2) نخلة ذكر.قال: وأين هو؟ قال في بئر ذروان(3).فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه، فجاء فقال: يا عائشة كأن مائها نقاعة الحنا(4) وكأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين(5) قلت يا رسول الله أفلا استخرجته؟ قال قد عافاني الله فكرهت أن أثير على الناس فيه شراً فأمر بها فدفنت(6)
وفي رواية لمسلم "فقلت يا رسول الله أفلا أحرقته"(7)
ويقول الإمام النووي عن الروايتين: "كلاهماصحيح: فطلبت أن يخرجه ثم يحرقه والمراد إخراج السحر"(8).


وجه الاستدلال: الحديث كما نرى يروي واقعة سحره عليه الصلاة والسلام ابتداءً من تغيرعادته صلى الله عليه وسلم حتى إنه يخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله وانتهاءً بقراءة المعوذتين وحل العقد ونزع الإبر وما بين ذلك من دعائه صلىالله عليه وسلم ثم نزول الملكين ونقاشهما فيما حصل له صلى الله عليه وسلم ثم ذهابه إلى البئر في جماعة من أصحابه وإخبار عائشة فيما حصل. وطلبها رضي الله عنها استخراجه، قوله صلى الله عليه وسلم "إن الله شفاني" كل هذا لا يكون إلا فيما له حقيقة وأثر بيّن(1).


2- ما رواه البخاري بسنده إلى أبي الغيث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال:الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات"(2)

وجه الاستدلال: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا باجتناب السبع الموبقات وعد منها السحر بل جعله في المرتبة الثانية بعد الشرك بالله. مما يدل على أن له حقيقة.
__________
(1) انظر: التفسير القيم ص 571 والتفسير الكبير للرازي ج3ص213، وشرح النووي على صحيح مسلم ج14 ص174 وتفسير القرطبي ج2ص213.
(2) واه البخاري في كتاب الوصايا. باب قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} برقم 2615 ورواه مختصرا بلفظ"اجتنبوا الموبقات الشرك بالله والسحر"في كتاب الطب باب الشرك والسحر من الموبقات برقم 5431


3- قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من تصّبح بسبع تمرات عجوة(1) لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر"(2)

وجه الاستدلال: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشدنا إلى ما فيه وقاية من السحر ولايتوقى إلاشيء له حقيقة وأثر بين،كما أنه قارنه بالسم والسم متفق بأن له حقيقة وأثراً فكذلك إذاً السحر(3).


ثالثاً: الدليل من الواقع: كذلك من أدلة أهل السنة على أن للسحر حقيقة: الواقع المشاهد وما اشتهر بين الناس من عقد الرجل عن امرأته حين يتزوجها فلا يقدرعلى إتيانها.وحل عقده فيقدر عليها بعد عجز عنها حتى صار متواتراً لا يمكن جحده.
وروى من أخبار السحرة ما لا يكاد يمكن التواطؤ على الكذب فيه(4).
كل هذا دليل ظاهر على أن للسحر حقيقة والله أعلم.
(1) ضرب من أجود تمر المدينة والينه. انظر فتح الباري ج10 ص 238.
(2) رواه البخاري في كتاب الطب باب الدواء بالعجوة للسحر برقم 5769، ومسلم في كتب الأشربة باب فضل تمر المدينة. انظر:صحيح مسلم المطبوع مع شرح النووي ج14ص2.
(3) انظر: السحر بين الحقيقة والخيال ص66.
(4) انظر: المغني لابن قدامه ج8ص151.

الكتاب : حقيقة السحر وحكمه في الكتاب والسنة
إعداد : الدكتور عواد بن عبد الله المعتق


وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (ج1 ص254): فصل: حكى أبوعبدالله الرازي في "تفسيره" عن المعتزلة أنّهم أنكروا وجود السحر قال: وربما كفّروا من اعتقد وجوده، قال: وأما أهل السنة فقد جوّزوا أن يقدر الساحر أن يطير في الهواء، أو يقلب الإنسان حمارًا والحمار إنسانًا، إلا أنّهم قالوا: إن الله يخلق الأشياء عندما يقول الساحر تلك الرّقى والكلمات المعيّنة، فأما أن يكون المؤثر في ذلك هو الفلك والنجوم فلا، خلافًا للفلاسفة والمنجّمين والصابئة، ثم استدل على وقوع السحر وأنه بخلق الله تعالى بقوله تعالى: {وما هم بضارّين به من أحد إلاّ بإذن الله?(1)}.
ومن الأخبار بأن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم سحر، وأن السحر عمل فيه، وبقصة تلك المرأة مع عائشة رضى الله عنها، وما ذكرت تلك المرأة من إتيانها بابل وتعلمها السحر، قال: وبما يذكر في هذا الباب من الحكايات?الكثيرة.

رجال زائغون سنّوا للناس سنةً سيئةً
من هؤلاء الزائغين الرافضة على اختلاف أصنافهم فقد قدحوا في أفاضل الصحابة رضوان الله عليهم، وردّوا من الشرع مالا يوافق أهواءهم،

ومنهم بعض رءوس الاعتزال:
__________
(1) ? ... ... سورة البقرة، الآية: 102.

واصل بن عطاء، فقد قدح في أصحاب الجمل وعلي ومن معه، كما في "الفرق بين الفرق" (ص100) ومنهم: عمرو بن عبيد بن باب، قال بفسق تلك الطائفتين المتقاتلتين يوم الجمل، كما في "الفرق بين الفرق" (101)، ومنهم: إبراهيم النّظام، كما في "الفرق بين الفرق" (ص134) فأئمة الضلال من الروافض والمعتزلة هم الذين جرّءوا الناس على رد السنن الصحيحة، وعلى القدح في الأئمة الأثبات، وكل من انحرف من أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وسلك هذا السبيل فهو سالك سبيلهم، وهم الذين جرّءوا المستشرقين على الطعن في السنة المطهرة، وأصل الضلال في هذا الباب هم أئمة الاعتزال، وأما الرافضة فإنّهم يطعنون طعنًا سخيفًا غير معقول ولا مقبول، لأنّهم كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: أجهل الناس بالمعقول والمنقول.
الكتاب : ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر


No comments:

Post a Comment